yawmiyat rajol mosafir

عاد بذاكرته إلى ماضيه البعيد، ماض لا طالم أرهق حاضره و أثر فيه ..لم ينس قط طفولته البريئة التي ضاعت بين دور الأيتام ..عاش وحيدا يناجي النجوم في أغلب لياليه السوداء، حزن، خوف و وحدة جعلت منه نصف إنسان. لم يدق يوما طعم أن يكون طفلا إلا من بعض فتافيت الحنان..
جلس يوما في حديقة المدينة يراقب من يسمون بالأطفال، كان همه أن يفهم ما هي الطفولة، ربما لم يفهمها إلا بعد أن دار به الزمان.. بدأ ينظر بعيدا بعينيه الصغيرتين، يراقب ضحك و صرخات الأطفال و قهقهاتهم التي لم يكن يدري ما سببها و لا كيف لها أن ترسم يوما على شفتيه الباردتين. نهض يجر معه ذيول الحزن العميق الذي يتخطى الحياة،حزن اليتم ..
كبر علي بين إخوة لا يعدون على أصابع اليد الواحدة..كبر و ترعرع ليجد نفسه يتيما بين الأيتام، ربما كان زملاؤه أكثر استيساغا لحياتهم،لكنه كان ،لشدة رقته و حسه المرهف، غير قادر على استيعاب وحدته الصامتة، و مع ذلك فقد عاش و نما إلى أن صار شابا ثم رجلا .ظاهره القوة و صرامة الرجاله و قلبه منكسر انكسار غصن الزيتون أمام الرياح الهوجاء
...

جالسا على مكتبه الأنيق، حاول علي أن ينسى ذكرياته الأليمة، رغم أنه لا ينأى إلا أن يتذكرها من حين إلى آخر، يعيش في محاولات لا تنتهي لنسيان حزنه الدفين، لكن الحقيقة أكبر من أن تنتسى و لم يكن الزمان يوما كفيلا لعلي بأن ينسيه الأحزان و لا أن يضمض جروحا لم يطله يوما النسيان
اليوم علي ابن الأربعين من العمر, مدير عام شركة علياء القابضة للإعمار. يمتلك كل ما يحلم به أي شاب في عمره، لكن قلبه يفتقد لكل شيء, لطالما سافر علي بين ثناياه لعله يجد ما قد يسد ما تركه الزمان من ثغرات..
ترعرع علي بين دور الأيتام، أكمل دراسته و هو ينتقل من مدرسة لأخرى، و مع كل معاناته مع الأمكنة ،مع حياته البائسة الفارغة من حب الأم و أمان الأب و مساندة الأشقاء..مع كل مرارة الحياة, كبر علي , عمل بكل جهد و كأنه كان ينتقم من قسوة الزمان

بر علي و أصبح رجلا ناجحا في عمله, لكن حياته يقتلها الروتين و الفراغ، يوم يقضيه في مشاغل العمل و ليل يقضيه بين جدران باردة الأحاسيس, فارغة الكيان.
كان الليل يمثل له هدوء ما قبل البركان...في غرفة فسيحة و جدار من زجاج, كان يراقب كل يوم النجوم و هي تتحادى, و كأنه يتمني الالتحاق بها عاليا ليبتعد عن قسوة الحياة.
لم يكن للجانب الإيماني جزء في حياة علي, ربما لأن من وجهوه منذ صغره كانوا كذلك.. و لم يكن ليفكر في الأمر و لم يفكر فيه إلى الآن, كانت أخلاقه جيدة, سلوكه منظبط و صرامته عنوان شخصيته..كل همه إنجاح عمله و ما وكل إليه من مشاريع و لم يفكر قط في أبعد من ذلك